الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} الفاء عاطفة وعلم فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو يعود على اللّه تعالى والجملة معطوفة على {يبايعونك} لما تقدم من أنه بمعنى الماضي و{ما} موصول مفعول به و{في قلوبهم} متعلقان بمحذوف صلة {ما}، {فأنزل} عطف على {فعلم} و{السكينة} مفعول به {وأثابهم} عطف أيضا والهاء مفعول به أول و{فتحا} مفعول به ثان و{قريبا} نعت.{وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} الواو حرف عطف و{مغانم} عطف على {فتحا قريبا} وجملة {يأخذونها} صفة لمغانم وكان واسمها وخبرها.{وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها} كلام مستأنف على طريق الالتفات و{وعدكم اللّه} فعل ماض ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر و{مغانم} مفعول به ثان و{كثيرة} صفة وجملة {تأخذونها} صفة ثانية. {فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ} الفاء عاطفة وعجّل فعل ماض والفاعل مستتر يعود على اللّه و{لكم} متعلقان بعجل و{هذه} مفعول به {وكفّ أيدي الناس عنكم} عطف على ما سبق. {وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطًا مُسْتَقِيمًا} الواو عاطفة على مقدّر أي لتشكروه وهي مقحمة عند الكوفيين واسم تكون ضمير مستتر تقديره هي وآية خبرها وللمؤمنين نعت لآية ويهديكم عطف على {ولتكون} والكاف مفعول به أول و{صراطا مستقيما} مفعول به ثان.{وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شيء قَدِيرًا} {وأخرى} الواو حرف عطف و{أخرى} معطوفة على {هذه} أي فعجّل لكم هذه المغانم ومغانم أخرى وأجازوا أن تكون {أخرى} مبتدأ وجملة {لم تقدروا عليها} صفتها وجملة {قد أحاط اللّه بها} خبرها وقال الزمخشري: ويجوز في {أخرى} النصب بفعل مضمر يفسره {قد أحاط اللّه بها} تقديره وقضى اللّه أخرى قد أحاط بها وأجازوا أيضا أن تكون مجرورة بربّ مقدرة وتكون الواو واو ربّ وفي المجرور بعد واو ربّ خلاف مشهور أهو بربّ مقدرة أو بنفس الواو، وقال أبو حيان في معرض ردّه على هذا الإعراب: وهذا فيه غرابة لأن رب لم تأت في القرآن جارّة مع كثرة ورود ذلك في كلام العرب فكيف يؤتى بها مضمرة واقتصر القرطبي على الوجه الأول وعبارة أبي البقاء: {وأخرى} أي ووعدكم أخرى أو أثابكم أخرى ويجوز أن تكون مبتدأ {ولم تقدروا} صفة {وقد أحاط} الخبر وكان واسمها وخبرها و{على كل شيء} متعلقان بقديرا.
.البلاغة: في قوله: {إذ يبايعونك} عدول عن المضارع إلى الماضي والسرّ فيه استحضار صورة المبايعة لأنها جديرة بالتجسيد لتكون عبرة الأجداد للأحفاد، وخلاصة قصتها أن النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل الحديبية بعث خراش بن أمية الخزاعي لما رأى إخفاق سفراء قريش في مساعيهم وضياع نصائحهم إلى قومهم رسولا إلى مكة فانبعث أشقى قريش وقتئذ عكرمة بن أبي جهل فعقر ناقة السفير وهمّ بقتله لولا أن تداركه بعضهم فأنقذوه وردّوه إلى قومه فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم دعا بعمر رضي اللّه عنه ليبعثه فقال: إني أخافهم على نفسي لما عرف من عذوتي إياهم ولكني أدلك على رجل هو أعزّ بها منّي وأحبّ إليهم عثمان بن عفان فبعثه وزوده بكتاب من لدنه يشرح فيه الغرض من مجيئه وأوصاه أن يزور مسلمي مكة المستضعفين معزيا ومصبّرا حتى يأتي نصر اللّه والفتح، لم تثن سفارة عثمان رضي اللّه عنه من عزم قريش فأصرّت على عنادها مقررة منع الرسول وأصحابه من الطواف مهما كانت النتيجة، وغاية ما سمحت به أنها أذنت لعثمان وحده أن يطوف بالبيت فأبى عثمان إلا أن يكون في صحبته رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فغاظ هذا القول قريشا وهاج حفيظتها فأمرت بسجن عثمان ثلاثة أيام حتى تنظر في أمره فتناقل الناس الخبر مكبّرا حتى وصل معسكر الرسول أن عثمان قد قتل، هنا قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا قائلا: «ان كان حقا ما سمعنا فلن نبرح حتى نناجز القوم، البيعة البيعة أيّها الناس»، فتوافد الناس يبايعون رسول اللّه تحت الشجرة وكانت سمرة وكان أول من بايعه سنان الأسدي فقال له وهو يبايعه: أبايعك على ما في نفسي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «وما في نفسك؟» قال سنان: أضرب بسيفي بين يديك حتى يظهرك اللّه أو اقتل وبايعه الناس على ما بايعه سنان وكان عدد المبايعين ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين إلى آخر تلك القصة الممتعة التي يرجع إليها من شاء في كتب السير..الفوائد: روى ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر بلغه أن قوما يأتون الشجرة يصلّون عندها فتوعدهم ثم أمر بقطعها فقطعت والحكمة في ذلك أن لا يحصل الافتتان بها..[سورة الفتح: الآيات 22- 26]: {وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابًا أَلِيمًا (25) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأنْزل الله سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شيء عَلِيمًا (26)}..اللغة: {الْهَدْيَ} تقدم تفسيره وفيه ثلاث لغات حكاها ابن خالويه:الهدي وهي الشهيرة، والهدي بتشديد الياء، والهداء وهو ما يهدى إلى الكعبة.{مَعْكُوفًا} محبوسا يقال عكفت الرجل عن حاجته إذا حبسته عنها، وأنكر الفارسي تعدية عكف بنفسه وهو محجوج كما يقول الأزهري وابن سيده ببناء اسم المفعول منه.{مَعَرَّةٌ} مفعلة من عره بمعنى عراه إذا داهاه ما يكره وفي القاموس واللسان: المعرة المساءة والإثم والأذى والجناية والعيب والأمر القبيح والشدّة والمسبة وتلوّن الوجه غضبا وكوكب دون المجرة وبلد معروف..الإعراب: {وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} الواو استئنافية و{لو} شرطية و{قاتلكم} فعل ومفعول به مقدّم و{الذين} فاعل وجملة {كفروا} صلة، و{لولّوا} اللام واقعة في جواب لو و{ولّوا} فعل وفاعل والجملة لا محل لها لأنها جواب لو و{الأدبار} مفعول به و{ثم} حرف عطف و{لا} نافية و{يجدون} فعل مضارع مرفوع وفاعل و{وليّا} مفعول به {ولا نصيرا} عطف عليه.{سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} {سنّة} مفعول مطلق لأنه مصدر مؤكد أي سنّ اللّه غلبة أنبيائه سنّة، و{التي} صفة لسنّة اللّه وجملة {قد خلت} صلة {التي} و{من قبل} متعلقان بخلت والواو عاطفة و{لن} حرف نفي ونصب واستقبال و{تجد} فعل مضارع منصوب بلن و{لسنّة اللّه} متعلقان بتجد و{تبديلا} مفعول به.{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} كلام مستأنف {وهو} مبتدأ و{الذي} خبره وجملة {كفّ} صلة و{أيديهم} مفعول به و{عنكم} متعلقان بكفّ و{أيديكم عنهم} عطف على {أيديهم عنكم} و{ببطن مكة} بيان للموقع وهو الحديبية فهو متعلق بمحذوف حال أي كائنين ببطن مكة والحديبية ملاصقة للحرم و{من بعد} متعلقان بكف أيضا و{أن} وما في حيزها في محل جر بالإضافة إلى الظرف و{عليهم} متعلقان بأظفركم.{وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} كان واسمها و{بصيرا} خبرها و{بما تعملون} متعلقان ببصيرا.{هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} كلام مستأنف لبيان الذين صدّوا النبي صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام، و{هم} مبتدأ و{الذين} خبره وجملة {كفروا} صلة و{صدّوكم} عطف على الصلة و{عن المسجد} متعلقان بصدّوكم و{الحرام} نعت {والهدي} عطف على الضمير المنصوب في {صدّوكم} وهو الكاف ويجوز أن تكون مفعولا معه والواو للمعية و{معكوفا} حال، و{أن يبلغ} أن وما في حيزها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض أي عن أن يبلغ أو من أن يبلغ وحينئذ يجوز في هذا الجار المقدّر أن يتعلق بصدّوكم وأن يتعلق بمعكوفا أي محبوسا عن بلوغ محله ويجوز أن يكون المصدر المؤول في موضع نصب على أنه مفعول من أجله لأنه علة الصدّ والتقدير صدّوا الهدي كراهة أن يبلغ محله أو هو علة لمعكوفا أي لأجل أن يبلغ محله، وأعربه بعضهم بدل اشتمال من الهدي أي مسددا بلوغ الهدي محله.{وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ} الواو عاطفة و{لولا} حرف امتناع لوجود و{رجال} مبتدأ خبره محذوف تقديره موجودون بمكة و{مؤمنون} نعت {رجال} {ونساء مؤمنات} عطف على {رجال مؤمنون} وجملة {لم تعلموهم} صفة للرجال والنساء جميعا وأن وما في حيزها في تأويل مصدر بدل اشتمال منهم أو من الضمير المنصوب في {تعلموهم}.{فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} الفاء سببية وتصيبكم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية والكاف مفعول به و{منهم} متعلقان بتصيبكم و{معرّة} فاعل {تصيبكم} و{بغير علم} متعلقان بمحذوف حال من الكاف أو بمحذوف صفة لمعرّة وسيأتي الكلام في جواب لولا.{لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابًا أَلِيمًا} اللام للتعليل ويدخل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد اللام والجار والمجرور متعلقان بمقدر أي كان انتفاء التسليط على أهل مكة وانتفاء العذاب {ليدخل اللّه} فهو علّة لما دلّ عليه كفّ الأيدي المفهوم من السياق عن أهل مكة صونا لمن فيها من المؤمنين و{في رحمته} متعلقان بيدخل و{من يشاء} مفعول به وجملة {يشاء} صلة و{لو} شرطية و{تزيلوا} فعل ماض وفاعل أي لو تميز بعضهم من بعض واللام رابطة وجملة عذبنا لا محل لها لأنها جواب لو وقد دلّ على جواب لولا وسيأتي مزيد من هذا البحث في باب البلاغة. و{عذبنا} فعل وفاعل و{الذين كفروا} مفعول به و{منهم} حال و{عذابا} مفعول مطلق و{أليما} صفة.{إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ} {إذ} ظرف لما مضى من الزمن متعلق بعذبنا أو بصدّوهم عن المسجد الحرام ولك أن تنصبه بإضمار اذكر وجملة {جعل} في محل جر بإضافة الظرف إليها و{الذين} فاعل وجملة {كفروا} صلة و{في قلوبهم} متعلقان بجعل إذا كانت بمعنى ألقى أو بمحذوف مفعول به ثان لجعل إن كانت بمعنى صيّر و{الحمية} مفعول به أول و{حمية الجاهلية} بدل والحمية الأنفة يقال حميت عن كذا حمية إذا أنفت عنه وداخلك عار وأنفة لفعله، قال المتلمس:{فَأنْزل الله سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها} الفاء عاطفة على مقدّر لا بدّ منه يفهم من السياق أي فهمّ المسلمون أن يخالفوا كلام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الصلح ودخلوا من ذلك في أمر موبق أو يساور قلوبهم الشك فأنزل. و{اللّه} فاعله و{سكينته} مفعول به و{على رسوله} متعلقان بأنزل {وعلى المؤمنين} عطف على ما تقدم {وألزمهم} عطف أيضا والهاء مفعول أول و{كلمة التقوى} مفعول به ثان وسيأتي المراد بها في باب الفوائد {وكانوا} عطف على ما تقدم و{أحقّ} خبر كانوا و{بها} متعلقان بأحق {وأهلها} عطف على {أحق} عطف تفسير.{وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شيء عَلِيمًا} كان واسمها و{بكل شيء} متعلقان بعليما و{عليما} خبرها. .البلاغة: في هذه الآية لطائف معنوية وهو أنه تعالى أبان غاية البون بين الكافر والمؤمن، باين بين الفاعلين إذ فاعل جعل هو الكفار وفاعل أنزل هو اللّه تعالى، وبين المفعولين إذ تلك حمية وهذه سكينة، وبين الإضافتين أضاف الحمية إلى الجاهلية وأضاف السكينة إلى اللّه تعالى، وبين الفعل جعل وأنزل فالحمية مجعولة في الحال في العرض الذي لا يبقى والسكينة كالمحفوظة في خزانة الرحمة فأنزلها والحمية قبيحة مذمومة في نفسها وازدادت قبحا بالإضافة إلى الجاهلية والسكينة حسنة في نفسها وازدادت حسنا بإضافتها إلى اللّه تعالى والعطف في فأنزل بالفاء لا بالواو يدل على المقابلة تقول أكرمني زيد فأكرمته فدلّت على المجازاة للمقابلة ولذلك جعل فأنزل، ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أجاب أولا إلى الصلح وكان المؤمنون عازمين على القتال لا يرجعوا إلى أهلهم إلا بعد فتح مكة أو النحر في المنحر وأبوا إلا أن يكتبوا محمد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وباسم اللّه قال تعالى: {على رسوله} ولما سكن هو صلى الله عليه وسلم للصلح سكن المؤمنون فقال: {وعلى المؤمنين} ولما كان المؤمنون عند اللّه تعالى ألزموا تلك الكلمة قال تعالى: {إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم}..[سورة الفتح: الآيات 27- 29]: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ}.خرج شطؤه وفي القاموس: الشطء فراخ النخل والزرع أو ورقه وشطأ كمنع شطئا وشطوءا أخرجها ومن الشجرة ما خرج حول أصله والجمع أشطاء وأشطأ أخرجها والرجل بلغ ولده فصار مثله..الإعراب: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ} اللام موطئة للقسم وقد حرف تحقيق و{صدق اللّه} فعل وفاعل و{رسوله} مفعول به والرؤيا منصوب بنزع الخافض أي في رؤياه وقيل كذب يتعدى إلى مفعولين يقال كذبني الحديث وكذا صدق كما في الآية لكنه غريب لأنه لم يعهد تعدّي المخفف إلى مفعولين والمشدد إلى واحد وعبارة أبي حيان وصدق يتعدى إلى اثنين الثاني بنفسه وبحرف الجر تقول صدقت زيدا الحديث وصدقته في الحديث وهذا ما جرى عليه في القاموس وعبارة الزمخشري صدقه في رؤياه ولم يكذبه تعالى اللّه عن الكذب وعن كل قبيح علوّا كبيرا فحذف الجار وأوصل الفعل كقوله تعالى: {صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه} و{بالحق} متعلق بصدق أو حال من الرؤيا.{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ} اللام جواب لقسم محذوف وتدخلن فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون المحذوفة لتوالي الأمثال لأنه من الأفعال الخمسة والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعل والنون نون التوكيد الثقيلة و{المسجد} مفعول به على السعة و{الحرام} صفة و{إن} شرطية و{شاء اللّه} فعل الشرط والجواب محذوف لدلالة ما قبله، وفي تعليق بالوعد بالمشيئة مع أنه تعالى خالق للأشياء كلها وعالم بها قبل وقوعها أقوال نلخصها فيما يلي:1- أنه حكاية قول الملك للرسول صلى الله عليه وسلم، قاله ابن كيسان.2- هذا التعليق تأدب بآداب اللّه تعالى وإن كان الموعود به محقق الوقوع حيث قال تعالى: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء اللّه}.3- وقال ثعلب استثنى فيما يعلم ليستثني الخلق فيما لا يعلمون.4- وزعم الكوفيون أن إن هنا بمعنى إذ التي تذكر لتعليل ما قبلها، قالوا وليست شرطية لأن الشرط مستقبل وهذه القصة قد مضت، وأصح ما يقال ما أورده الزمخشري ونصه: فإن قلت ما وجه دخول {إن شاء اللّه} في إخبار اللّه عزّ وجلّ قلت فيه وجوه: أن يعلق عدّته بالمشيئة تعليما لعباده أن يقولوا في عداتهم مثل ذلك متأدبين بأدب اللّه ومقتدين بسنّته و{آمنين} حال من الواو المحذوفة من {لتدخلن} لالتقاء الساكنين أي حال مقارنة للدخول والشرط معترض والمعنى آمنين في حال الدخول و{محلقين} حال ثانية متداخلة و{رؤوسكم} مفعول به و{لا} نافية و{تخافون} فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والجملة مستأنفة أو حالية من فاعل {لتدخلن} أو من الضمير في {آمنين} أو في {محلقين}.
|